حَـلّ مُـهمَل لتضييق الفجوة بين التنمية والتمويل

عَـقَـدَت الأمم المتحدة أخيرا اجتماعا مع زعماء العالم وخبراء التنمية في أديس أبابا، عاصمة إثيوبيا، لمحاولة تركيز العقول على الحاجة إلى مزيد من تمويل التنمية. في مواجهة الميزانيات الحكومية الـمُـحـكَـمة، وأزمة الديون التي تلوح في الأفق، والتحدي المزمن المتمثل في جذب الاستثمار الخاص، تبدو آفاق بلدان نامية عديدة ــ خاصة في إفريقيا ــ قاتمة.

مع ذلك، لا ينبغي لهذا الوضع أن يكون كئيبا إلى هذا الحد. من المدهش أن الحكومات، والمؤسسات المالية، والمستثمرين أهملوا أداة بالغة الأهمية. فرغم أن التكنولوجيات الجديدة تعمل على تمكين الوصول السهل إلى كم من البيانات لم يكن بوسع الأجيال السابقة إلا أن تحلم بها، فإنها لا تُستَخدَم لتحقيق أقصى قدر من الاستفادة من كل دولار مُـتاح.

فكما يُـظـهِـر تقرير تمويل التنمية المستدامة لعام 2024 الصادر عن الأمم المتحدة، تُـفـضي البيانات الأفضل إلى تمويل أفضل، ومن الممكن أن يساعد تحسين أنظمة البيانات على فتح الباب أمام أموال جديدة وتحسين كفاءة تخصيص الموارد. على وجه التحديد، من الممكن أن يساعد الاستثمار في البيانات والتكنولوجيات الرقمية (بما في ذلك الذكاء الاصطناعي) على حشد مزيد من الأموال بثلاث طُـرُق.

تتمثل القناة الأولى في الضرائب. فإذا كان للحكومات أن تعمل على توفير الخدمات الصحية والتعليمية التي يتوقعها الناس بحق، فإنها تحتاج إلى مصدر مستدام للإيرادات. لكن الضرائب الفعّالة تتطلب معرفة مكان الناس ومقدار ما يمكنهم تحمله من تكاليف. الواقع أن بعض أقدم نماذج الكتابة هي علامات صنعها محصلو الضرائب قبل آلاف السنين لتسجيل أصول الأسر على ألواح من صلصال. اليوم، أصبحت هذه الألواح رقمية، لكن لا يزال مليارات من الناس يفتقرون إلى عنوان حقيقي مُـسَـجَّـل، ومن الممكن أن يساعد الاستثمار في أنظمة البيانات والتكنولوجيات الرقمية.

على الرغم من هذه الفوائد الواضحة، يُـهـمِـل عدد كبير من الحكومات وشركاء التنمية العناصر الأساسية لأنظمة البيانات الحديثة ــ التعداد السكاني، والكفاءة الإدارية، والقدرة الأساسية في مكاتب الإحصاء ــ ومردودات الكفاءة التي قد تترتب على تبادل البيانات عبر المؤسسات الحكومية والعامة.

ثانيا، تشكل البيانات الأفضل ضرورة أساسية لحشد التمويل الخاص، الذي يشكل بدوره ضرورة أساسية لتحقيق الأهداف المنصوص عليها في أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030.

ويساعد التقدم السريع في مجال الذكاء الاصطناعي على إيجاد فرص أكبر لمعالجة وتحليل البيانات بطرق مماثلة. لكن لتحقيق أقصى قدر من الاستفادة من هذه التكنولوجيات، يتعين على القادة السياسيين أولا زيادة الاستثمار في أنظمة البيانات، واشتراط تبادل البيانات عبر المؤسسات، ودعم تطوير مهارات وقدرات القطاع العام المناسبة.

يجب أن يكون هذا أمرا سهلا، لأن الاستثمارات في البيانات تؤتي ثمارها أضعافا مضاعفة. تشير دراسة حديثة إلى أن المشاريع التي تركز على تعزيز أنظمة البيانات تعود في المتوسط بنحو 32 دولارا لكل دولار مُستَـثمَر، سواء من خلال مضاعفة الإيرادات الضريبية، أو جمع المليارات في هيئة استثمارات جديدة من جانب القطاع الخاص، أو تحقيق قدر أعظم من الكفاءة في تخصيص الموارد المتاحة. في الأغلب الأعم، سيعمل الذكاء الاصطناعي وغيره من التكنولوجيات القائمة على البيانات على دفع هذه العملية بقوة، ما يجعل مثل هذه الاستثمارات أكثر إنتاجية.

لا وجود لشجرة نقود سحرية تدعم التمويل العالمي. لكن بتقاعسها عن الاستثمار في البيانات، وفشلها في تحقيق أقصى قدر من الاستفادة من البيانات المتاحة، تتسبب حكومات عديدة في زيادة حياتها صعوبة. إن البيانات قادرة على تحرير قدر أعظم من التمويل. نحتاج فقط إلى قرار من قادة اليوم لإطلاق العنان لها.

خاص بـ "الاقتصادية"

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.

 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي