الذكاء الاصطناعي والأمن الوطني

البشر نوع من الكائنات القادرة على صنع الأدوات، ولكن هل يمكننا التحكم في الأدوات التي نصنعها؟ عندما طور روبرت أوبنهايمر وغيره من الفيزيائيين أول سلاح يعمل بالانشطار النووي في أربعينيات القرن العشرين، اعتراهم القلق إزاء احتمال تسبب اختراعهم في تدمير البشرية. حتى وقتنا هذا، لم يحدث ذلك، لكن التحكم في الأسلحة النووية كان يشكل تحديا متواصلا منذ ذلك الحين.

الآن، يرى كثير من العلماء الذكاء الاصطناعي -الخوارزميات والبرمجيات التي تعمل على تمكين الآلات من أداء مهام تتطلب عادة الذكاء البشري- بوصفه أداة تحويلية بذات القدر. فمثله كمثل تكنولوجيات ذات أغراض عامة سابقة، ينطوي الذكاء الاصطناعي على إمكانات هائلة في الخير والشر. ففي أبحاث السرطان، يمكن استخدامه لفرز وتلخيص عدد من الدراسات في بضع دقائق أكبر مما يستطيع فريق بشري القيام به على مدى أشهر عديدة.

لكن الذكاء الاصطناعي يخفض أيضا التكاليف والحواجز التي تحول دون دخول غير الأسوياء، والإرهابيين، وغيرهم من القوى الشريرة التي قد ترغب في إحداث الأذى. وكما حذرت دراسة حديثة أصدرتها مؤسسة راند، فإن "التكلفة الهامشية لإحياء فيروس خطر يشبه فيروس الجدري قد لا تتجاوز 100 ألف دولار، في حين قد تتجاوز تكلفة تطوير لقاح معقد المليار دولار".

علاوة على ذلك، يخشى بعض الخبراء أن يكون الذكاء الاصطناعي المتقدم أكثر ذكاء من البشر إلى الدرجة التي قد تسمح له بالسيطرة علينا، وليس العكس. تراوح التقديرات حول المدة التي قد يستغرقها تطوير مثل هذه الآلات الفائقة الذكاء -المعروفة بالذكاء العام الاصطناعي- من بضع سنوات إلى بضعة عقود من الزمن. ولكن أيًا كانت الحال، فإن الأخطار المتنامية المترتبة على استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي الضيقة اليوم تتطلب بالفعل قدرا أعظم من الاهتمام.

على مدى 40 عاما، دأبت مجموعة إستراتيجية أسبن (التي تتألف من مسؤولين حكوميين سابقين وأكاديميين ورجال أعمال وصحفيين) على الاجتماع كل صيف للتركيز على مشكلة رئيسة تتعلق بالأمن الوطني. تناولت جلسات سابقة مواضيع مثل الأسلحة النووية والهجمات السيبرانية وصعود الصين.

كانت الصين حريصة على الدفع باستثمارات ضخمة في سباق تسلح الذكاء الاصطناعي الأوسع، كما أنها تتباهى ببعض المزايا البنيوية. تتمثل الموارد الثلاثة الرئيسة للذكاء الاصطناعي في البيانات لتدريب النماذج؛ والمهندسين الأذكياء لتطوير الخوارزميات؛ وقوة الحوسبة لتشغيله.

تحد ضوابط التصدير الأمريكية من قدرة الصين على الوصول إلى هذه الرقائق الرائدة، فضلا عن آلات الطباعة بالحَـفر الهولندية باهظة الثمن التي تصنع هذه الرقائق. كان الإجماع بين الخبراء في أسبن أن الصين متأخرة عن الولايات المتحدة بعام أو عامين؛ لكن الوضع يظل متقلبا. فعلى الرغم من الاتفاق بين الرئيسين جو بايدن وشي جين بينج على عقد مناقشات ثنائية بشأن الذكاء الاصطناعي عندما التقيا في الخريف الماضي، كان التفاؤل في أسبن ضئيلا بشأن آفاق مراقبة التسلح بالذكاء الاصطناعي.

يتمثل أحد أكثر أخطار الذكاء الاصطناعي إثارة للخوف في تطبيقه على الحرب البيولوجية أو الإرهاب. عندما وافقت البلدان على حظر الأسلحة البيولوجية في 1972، كان الاعتقاد السائد أن مثل هذه الأجهزة ليست مفيدة، نظرا لخطر "الانفجار العكسي" على جانب مستخدمها ذاته. ولكن مع البيولوجيا التخليقية، ربما يكون من الممكن تطوير سلاح يدمر مجموعة بعينها ولكن ليس غيرها.

من المسلم به أن التكنولوجيا تتحرك بسرعة أكبر من السياسة أو الدبلوماسية، خاصة عندما تكون مدفوعة بمنافسة سوقية شديدة في القطاع الخاص. إذا كان اجتماع مجموعة إستراتيجية أسبن هذا العام توصل إلى استنتاج رئيس واحد، فهو أن الحكومات يجب أن تكون حريصة على تسريع وتيرة عملها.

خاص بـ"الاقتصادية"

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.

www.project-syndicate.org

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي