خفض الفائدة والاستثمار في الأصول المتوافقة مع الشريعة

في قرار متوقع خلال اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي بدأ مسار خفض أسعار الفائدة وقد كان تجاوب الاحتياطي الفيدرالي جريئا عندما قرر خفض أسعار الفائدة بنصف نقطة رغم أنه لم يصل إلى النسبة المستهدفة للتضخم التي كانت عند 2% التي ترددت كثيرا في خطابات رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلا أن مخاوف حصول الركود دفعت إلى اختيار التوازن بدلا من تحقيق مكاسب قد يعاني بعدها الاقتصاد العالمي كثيرا، بل إن رفع أسعار الفائدة أصبح مكلفا حتى على حكومة الولايات المتحدة الأمريكية التي تجاوزت ديونها حجم الناتج المحلي الإجمالي.

الأسواق المالية وضعت في حساباتها هذا المسار مبكرا ولذلك من غير الممكن توقع تحولات كبيرة في الأسواق لأن المضاربين عادة يتخذون القرارات مبكرا باحتساب حالة السوق مستقبلا، إذ إن الأسواق تسعر على أساس التوقعات المستقبلية ولذلك قد لا يكون القرار ذا تأثير كبير في الأسواق.

الاستثمار في المنتجات المالية الإسلامية لا شك أنه يتأثر بحالة الأسواق وتحركات البنوك المركزية وقرار الفيدرالي سواء بخفض أو رفع أسعار الفائدة، إذ إن ارتباط المؤسسات المالية الإسلامية أصبح وثيقا بالأسواق العالمية نظرا لتوسع هذا القطاع ودخوله في منافسة مباشرة مع القطاع المالي التقليدي، ما يجعل أثر هذا القرار مباشرا في المؤسسات المالية الإسلامية.

مسار معدلات الفائدة مستقبلا قد يؤثر في الاستثمارات المتوافقة مع الشريعة خصوصا الأدوات المالية منخفضة المخاطر مثل الصكوك الإسلامية، ولذلك يحتمل أن يكون الإقبال عليها أقل خصوصا من الأفراد الذين يبحثون غالبا عن عوائد جيدة أعلى من العوائد التي تحققها الصكوك، لكن في المقابل قد تنشط الأصول ذات المخاطر الأعلى في السوق مثل الاستثمار في القطاع العقاري والأسهم وغيرها من الأصول التي ستستفيد من هذا التحول في أسعار الفائدة، والذي يتوقع أن يستمر بوتيرة قد لا تكون سريعة لكن قد تكون مستمرة وفقا للمعطيات حينها.

من القطاعات التي قد تستفيد مجموعة من شركات التقنية المالية التي تعتمد على الحصول على التمويل من البنوك أو من مصادر أخرى، ونظرا لارتفاع التكلفة قد يكون ذلك له أثر في هوامش الربحية لتلك المؤسسات خصوصا في ظل المنافسة الكبيرة في السوق، ما يعني أن خفض أسعار الفائدة قد يكون له أثر إيجابي في هذه المؤسسات خصوصا شركات تقدم خدمات "اشتر الآن وادفع لاحقا" حيث تستطيع أن تقدم تسعيرا أقل للمتاجر، ما يشجع الكثير على ربط عملياتها بمثل هذه المؤسسات، ونمو النشاط المتوقع في قطاع التجزئة سينعكس على هذا القطاع بصورة إيجابية.

منصات التمويل الجماعي قد تكون واحدة من المنصات التي تستفيد من هذا التحول في أسعار الفائدة، باعتبار أنها ستقدم فرص تمويل بتكلفة أقل وهذا سيشجع كثيرا من الشركات للحصول على التمويل من تلك المنصات، في المقابل سيبقى الأمر غير واضح بالنسبة إلى البنوك باعتبار أن البنوك الإسلامية لا تدفع فوائد للمودعين فهي تحصل على عوائد ودائع الأفراد بالكامل، وأي نقص في أسعار الفائدة وانخفاض في عروضها للتمويل يعني بالضرورة انخفاض عوائدها، إلا أن لديها من الخيارات ما قد يمكنها من تعويض هذا النقص في الأرباح.

فالخلاصة أن قطاع المالية الإسلامية قد يستفيد من انخفاض أسعار الفائدة فيما يتعلق بالاستثمارات في الأصول والتقنية المالية، لكن الصكوك الإسلامية قد تنخفض عوائدها، أما البنوك فقد تواجه تحديات للمحافظة على مكاسبها التي استطاعت تحقيقها عندما بلغت الفائدة ذروتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي