صناعة أشباه الموصلات في الخليج

في أدبيات التنمية الاقتصادية تحدّث بعض المختصين عن "القفزة"- طرح فكري للتعبير عن هجوم شامل لتحقيق التنمية في محاولة للحاق بمن سبق في سلم التنمية، مع الوقت يبدو أن هذا الطرح فقد بريقه لأن التنظير والتجربة أثبتت صعوبة تحقيقه. بالرغم من تعثر كثير من الدول في مساعها التنموي إلا أن الفكرة بقيت حيه بسبب الحاجة و جاذبيتها المعنوية. بل كل مره تأخذ التقنية مستوى (الاتصالات والمعلومات) جديد أو مساحة جديدة ( الهاتف الجوال و أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي) تلوح الفكرة مرة أخرى وكان " التقنية" مفتاح سري خلفي لدخول نادي الدول المتقدمة.

يقابل ذلك حقيقة أن التقنية مع العامل البشري ورأس المال مستمرة كعوامل الإنتاج الرئيسية. بل أن دور التقنية ارتقى نسبيا في معادلة الإنتاج كما تعبر عنها القيمة السوقية لشركات التقنية. ليس هناك خلاف حول أهمية الاستثمار في التقنية ولكن طبيعة التحدي والأهمية تحتاج مراجعة النهج والسيطرة على سلم القيمة والتقدم.

جاءت في بالي هذه الملاحظات على إثر قراءة تقرير عن أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي في الخليج صادر عن معهد واشنطن للشرق الأوسط. يحاول التقرير رصد تجربة السعودية والإمارات خاصة لتأسيس هذه التقنيات من زاوية جزع أمريكي على تعامل هذه الدول مع الصين وأمريكا في الوقت نفسه لنقل التقنية، بالتالي إمكانية تسرب التقنية الغربية للصين.

محاولة نقل وتوطين التقنية في السعودية ودول الخليج ليست جديدة ولعل الصناعات البتروكيمائية أقدم صناعة تمت بزخم مؤثر، كذلك كانت هناك محاولات في برامج التوازن لتعظيم الاستفادة من الإنفاق، لكنها بقيت محدودة لأسباب عملية تخص الأسلوب والتنفيذ. و لكن هناك تجربة بل كما يقال التعلم يأتي من المحاولات والأخطاء والنجاحات.

فمثلا، تأسست شركة الإلكترونيات المتقدمة، لكن مع الوقت سيطرت بيروقراطية تعظم البقاء الوظيفي على سلم المعرفة التقنية والقيمة المضافة اقتصاديا. اليوم هناك عودة أكثر جدية ذكرها الوزراء في منتدى الميزانية عبرو عنها بارتفاع توطين مصروفات الدفاع من 4% إلى نحو 20% في تكامل مع توجة هيئة المحتوى.

انجاز معتبر دون خوض في تفاصيل تقنية و شرائية تحتاج تعمق في السلم التقني و المعرفي. التحدي دائما في نقل التقنية وتوطينها ومن ثم دمجها في المنظومة الاقتصادية للتمكين والتطوير الذاتي. لا يمكن فصل نقل التقنية عن ملكيتها ولذلك ربما أفضل طريقة نموذج يكون القطاع العام قائد وراعي ومطور و مستثمر أكثر منه قائم على كل العملية مباشرة بسبب روح الملكية والتحفيز غير مكتملة، لأن البيروقراطية ومشكلة الراكب المجاني أزلية في شركات القطاع العام والتي تبدأ بطموح واسع ولكنها سرعان ما تخضع لقانون البقاء البيروقراطي. لذلك أرى من الأنسب أن نقوم بعدة خطوات في آن واحد. الأولى أن لا نحاول عمل كل شي لأن المقدرات والتركيز سيضعف.

الثانية أن نعطي القطاع الخاص فرصة أعلى ولكن تحت رقابة فنية ومالية لصيقة. لا نختار الفائزين لكن تصنع منافسة تنتهي بأفضل 2 أو 3 في كل ناحية، ونرفع الاستثمار والتوقعات تباعا. الثالثة، اثبتت تجارب دول شرق آسيا أن المهندسين والعلماء الوطنين في الخارج يؤدون أدوار استثنائية في العلاقة مع الشركات العالمية.

لذلك يفضل تشجيع أكبر عدد ممكن بعد تأهيل أكاديمي منافس من مساعدة هؤلاء للعمل على شركات الدول المتقدمة في الخارج و ليس داخليا لغرض التسويق والمبيعات. رابعا، تأسيس وزارة وإعادة تحوير إما وزارة الاستثمار أو الاتصالات ليكون نقل التقنية وتوطينها وتطويرها هدفها الرئيسي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي