الهدر الغذائي .. من منظور اقتصادي
تعاني كثير من الدول من ظاهرة الهدر الغذائي ولكن نسبة التأثير تتفاوت بين دولة وأخرى، وتأتي بلادنا ضمن أعلى الدول التي تعاني من الهدر الغذائي حيث يكلف أكثر من 40 مليار ريال سنوياً فيما تبلغ نسبة الغذاء المهدر أكثر من 33%، كما قال وزير البيئة والمياه والزراعة عبدالرحمن الفضلي وفقاً لدراسة ميدانية أعدتها هيئة الأمن الغذائي، ومن هنا يتضح أن المشكلة إضافة إلى كونها مخالفة شرعية كما نصت عليه النصوص في القرآن والسنة بأن يكون الانفاق وسطاً بين الإسراف والتقتير.
وفي آية أخرى أن يكون الأكل والشرب بلا إسراف لأن الله لا يحب المسرفين، إضافة إلى هذا الجانب المهم جداً فإن الضرر الاقتصادي كبير أيضاً وهو المحور الذي يركز عليه هذا المقال، مبتدئاً باستعراض أبرز ما قام به البرنامج الوطني للحد من الفقد والهدر في الغذاء الذي اطلقته السعودية للمحافظة على مواردها الطبيعية بهدف تقليص الكميات المهدرة في الغذاء عبر اتباع أحدث المعايير والتجارب الدولية.
ويضع البرنامج سياسات للحد من الفقد والهدر الغذائي في مجموعة رئيسية من الأغذية وهي القمح والدقيق والأرز والتمور والخضار والفاكهة واللحوم الحمراء والبيضاء، وهناك جانب مهم ركز عليه البرنامج وهو نشر الوعي عن طريق التوعية والتدريب حول أفضل الممارسات للحد من الفقد والهدر الغذائي، كما تم إنشاء المرصد الوطني للفقد والهدر مع دراسة قدرات إعادة تدوير المخلفات للاستفادة من كميات الهدر الغذائي بالطريقة الصحيحة.
ويهدف البرنامج إلى خفض الهدر 50% عام 2030، وذلك لتحقيق الأمن الغذائي وتقليل الأعباء المالية على الفرد والمجتمع. وخلاصة الأثر الاقتصادي للهدر الغذائي أن 40 مليار ريال المقدرة سنويا للهدر يمكن أن تسهم في تنفيذ مزيد من المشروعات في مجالات الإسكان والصحة والتعليم وغيرها وهذا الأمر بيد من يقدمون على هذا الهدر عن عمد أو تساهل. وبالاطلاع على تجارب الدول الأخرى في هذا المجال نجد أن فرنسا أصدرت 2016 قانوناً يلزم محلات السوبر ماركت بالتبرع بالطعام القابل للاستهلاك بدلاً من التخلص منه بأساليب التخلص من النفايات.
وفي الدنمارك خصصت متاجر للمنتجات التي اقتربت صلاحيتها من الانتهاء لكي تباع بأسعار مخفضة بدل رميها بعد انتهاء الصلاحية، وفي كوريا الجنوبية جرى فرض رسوم على الأفراد والمؤسسات التي تكون كميات النفايات الغذائية التي تتخلص منها عالية، ما دفع الناس إلى تقليل استهلاكهم وتخفيض الطعام المهدر، وفي اليابان تتضمن الخطة على تشجيع إعادة استخدام بقايا الطعام في الزراعة وإنتاج الأعلاف والقاسم المشترك بين إجراءات جميع هذه الدول التوعية، ثم الحلول العملية، التي تساعد الفرد والشركات على الحفاظ على الطعام وتجعل الهدر أكثر تكلفة على من يمارسه، والأهم أنها تبحث عن سبل استثمار الأطعمة بدل الانتظار حتى تتحول إلى النفايات ويتحقق الهدر الحقيقي بعدم استفادة أي أحد منها.
وأخيراً: لا بد من الإشارة إلى خطوات موفقة تمت في بلادنا ومنها ظهور جمعيات حفظ النعمة، التي تقوم بجهد مقدر ولكننا نريد مزيدا من جهود الأفراد والشركات والمطاعم والفنادق والمتاجر في مجال الاهتمام بتقليل الهدر والتصرف الصحيح في بقايا الطعام، الذي من الملاحظ أن كمياته الكبيرة في مناسباتنا المختلفة تكفي لأضعاف الحاضرين. كما يلاحظ على بعض الأفراد عدم تقديرهم للكمية التي يضعونها في صحونهم ثم يتركون الجزء الأكبر ليكون ضمن البقايا التي يتم التخلص منها بطريقة مؤسفة، وأذكر أن مطعماً في إحدى الدول الأوروبية فرض قيمة نقدية إضافية على من يعبئ صحنه ثم لا يأكل الكمية كاملة. وبعيداً عن مثل هذه العقوبات علينا أن نغير أسلوبنا في التعامل مع بقايا الطعام فهذا واجب شرعي ووطني ودليل تحضر من الدرجة الأولى.