الخصخصة ضمان للمستقبل
إطلاق برنامج التخصيص أعطى دفعة قوية لبرنامج "الرؤية"، نظرا لارتباط أهدافه ومؤشرات أدائه بشكل مباشر وغير مباشر ببرامج "الرؤية" الأخرى. إضافة إلى أثره الكبير في الميزانية العامة، حيث يصل مجموع العوائد والوفر في المصاريف إلى 70 مليار ريال حتى عام 2020، إلى جانب التدفقات النقدية الأجنبية للاستثمار في العمليات والأنشطة المستهدفة بالتخصيص. كما أن للتخصيص أثرا في رفع كفاءة الأداء وتشغيل الأصول على المدى الطويل، بما يسهم بقيمة مضافة أكبر في الناتج المحلي للاقتصاد. أهم ما يعمق الثقة بالبرنامج ومدى عمق تأثيره في الاقتصاد كان الوثيقة التي تم الإعلان عنها. فقد أسست الوثيقة لنظام حوكمة شامل، يعمل على معالجة جميع الجوانب المرتبطة على عدة مستويات أهمها: تطوير القوانين الحاكمة لعملية الخصخصة، إلى جانب النظم التي تحكم العلاقة بين كل أصحاب العلاقة في كل قطاع من مستفيد ومشغل لضمان جودة الخدمة وعدالة تسعيرها. بل تعدى ذلك إلى تفعيل عملية التخصيص بالتركيز على الابتكار وتوزيع المسؤوليات بشكل يضمن سلاسة اتخاذ القرار.
تقع معظم مسؤولية تفعيل عملية التخصيص على المركز الوطني للتخصيص، وهي مسؤولية كبيرة نظرا لمحدودية خبرة القطاع الخاص في معظم القطاعات المستهدفة في عملية التخصيص. فبسبب قيام الحكومة بلعب دور مقدم الخدمة على مدى تاريخ الاقتصاد السعودي، لم يتمكن القطاع الخاص من مراكمة الخبرات اللازمة التي تؤهله للقيام بهذا الدور مستقبلا. ولكن يوجد عديد من الفرص السهلة التي يمكن تحقيق إنجازات سريعة فيها خصوصا في الأنشطة التي تعتمد على أصول هائلة. فعلى سبيل المثال، قطاع التعليم يحتوي على أصول عقارية ضخمة يمكن تمويلها محليا عن طريق رأس المال المساهم في صناديق الريت أو صكوك الإجارة التي يمكن طرحها بأحجام صغيرة ليتمكن المستثمر الفردي من شرائها. فنظرا لكون هذه الصكوك قائمة على تمويل عين مؤجرة، فإن ذلك يعفيها من الزكاة، ما يجعل عائدها مغريا. أما بالنسبة لعمليات التشغيل والتمويل الأكثر تعقيدا، تبرز الحاجة إلى الابتكار والشريك الأجنبي، ما يؤكد أهمية المراجعة الشاملة للقوانين. أحد أهم الالتزامات التي تضمنتها الوثيقة كان عدد الوظائف التي سيوجدها البرنامج حتى عام 2020. فالسمعة السلبية المرتبطة بعملية التخصيص تتعلق باستهداف الربحية على حساب الموظف. فعادة ما يعاني القطاع العام الترهل وانخفاض الإنتاجية. ومن الطبيعي توقع استغناء بعض المجالات المخصصة عن خدمات الموظفين الأقل إنتاجية. إلا أن تحقيق هذا الالتزام سيكون نتيجة غير مباشرة لعملية تعظيم كفاءة الخدمات وتشغيل الأصول، إلى جانب إعطاء الأولوية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة المحلية لتكوين نسيج عريض من الشركات التي تنخرط وتخدم عملية التخصيص. وبالتالي يكون لذلك أثر في زيادة النشاط الاقتصادي والتوظيف بشكل عام.
التخصيص من الأهمية بمكان حتى في المجالات التي تتطلب الاحتكار مثل التحلية ونقل الكهرباء لأنه يعمل على فك الاحتكار! فحتى لو كان المجال حكرا على شركة واحدة في التشغيل، فإن فصل الصلاحيات التشريعية والتنظيمية عن التشغيل، وإدخال عنصر المساهمين ورأس المال إلى الشركة محل التخصيص يعمل على إيجاد بيئة من التوازنات والحسابات أكثر كفاءة في خدمة الاقتصاد والمواطن، مقارنة بتقديم الخدمة بالأسلوب الذي اعتدناه لفترة طويلة. وككل عملية تغيير جذري، فإنها ستواجه بالامتعاض بداية الأمر لعدم التعود، وسيكون لها مستفيدون وضحايا كواقع كل قرار، ولكن آثار التخصيص المباشرة في الخدمات وغير المباشرة في الميزانية العامة تصب في المصلحة العامة.