مستقبل تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى الاقتصاد السعودي
يقوم النظام الرأسمالي في أساسه على حرية حركة الموارد، من عمالة وموارد طبيعية وتدفقات رأسمالية. فحرية الحركة تضمن ذهاب المورد إلى المستفيد الأكثر حاجة الذي يضعه في الاستخدام الأمثل للاقتصاد الكلي، بحيث تستفيد جميع أطراف الاقتصاد من هذه الحركة. ولذلك تعد التدفقات الاستثمارية الأجنبية أحد أهم أركان عملية الحراك الاقتصادي، ففضلا عن كون رأس المال موردا أساسيا، فإن التدفقات الاستثمارية الأجنبية تحمل معها خبرات هائلة، تعمل على تطوير القطاعات الاقتصادية التي تستهدفها. ولذلك يعمل عدد من الجهات تحت رعاية الأمم المتحدة بمراقبة مستويات التدفقات الاستثمارية الأجنبية بشكل دقيق؛ لأن مستوياتها تنعكس بشكل مباشر على النمو الاقتصادي العالمي.
انخفاض مستويات الاستثمار الأجنبي على مستوى العالم عام 2017 عن العام الذي سبقه يعكس ارتفاع مستويات المخاطر لأسباب تعود في أهمها إلى النزعات الحمائية. ولكن حتى في الدول النامية التي يعول عليها العالم في قيادة النمو الاقتصادي، فقد تراجعت التدفقات الاستثمارية الخارجية بنحو 27 في المائة. كان نصيب الاقتصاد السعودي من هذا التراجع نحو 80 في المائة مسجلا تدفقات تقارب 5.25 مليار ريـال فقط. التراجع على مستوى الاقتصاد السعودي لا يتوافق في ظاهره مع توجهات الحكومة الأخيرة بفتح قطاعات اقتصادية عديدة أمام المستثمر الأجنبي وإتاحة تملكه الكامل للنشاط. فما الدافع وراء هذا الانخفاض؟
إعادة الهيكلة الشاملة التي يمر بها الاقتصاد السعودي تستلزم بالضرورة ارتفاعا في مستوى المخاطر للمستثمر الأجنبي، خصوصا أن القطاعات الاقتصادية التقليدية مثل قطاعي المقاولات والتطوير تأثرت بشكل كبير بإعادة هيكلة تتطلب من العاملين فيها اعتماد نماذج أعمال أكثر كفاءة. إلى جانب ذلك، فإن القطاع الاقتصادي الذي يعد عصب الاقتصاد السعودي وهو القطاع النفطي، شهد انخفاضا في جذبه الاستثمارات حول العالم بسبب انخفاض أسعار الطاقة.
هذا الانخفاض لا يستدعي كل القلق والجلبة التي أثيرت حوله؛ فأسعار الطاقة اليوم وصلت لأسعار محفزة للاستثمار، إلى جانب طرح "أرامكو" المرتقب الذي سيعمل على تسهيل عملية دخول المستثمر الأجنبي إلى هذا القطاع الحيوي. أما القطاعات الاقتصادية الجديدة الواعدة، فإن الحكومة السعودية تعمل حثيثا على بناء أساسيات استقطاب الاستثمار الأجنبي إليها، وليس أدل على ذلك من المشاركة الفعالة في منتدى مستقبل الاستثمار الذي عقد في الرياض. ونظرا للمخاطر العالية، فإن خطة الحكومة السعودية كانت في أساسها أن تعمل على تخفيض هذه المخاطر للمستثمر الأجنبي عبر دعم الاستثمار المحلي في هذه القطاعات وتهيئتها للمستثمر الأجنبي أولا، بينما تعمل على فتح قنوات استثمارية جديدة مثل أسواق أدوات الدين وصناعة صناديق الملكية الخاصة لتتمكن من تنويع مستويات المخاطر بما يتناسب مع شهية المستثمر الأجنبي. وبالتالي ستضمن مستقبلا استمرار التدفقات الاستثمارية الأجنبية باستمرار بعد الانتهاء من عملية إعادة الهيكلة الشاملة.