وهم المقارنات .. الأخطاء والتداعيات
تستعرض إحدى الشركات الكبرى في السوق مقاييس النمو في الإيرادات كمعيار للنجاح، ويتشرب مجلس الإدارة الموسيقى التي تضعها إدارة الشركة في كل شريحة عرض وفي كل كلمة من الرئيس التنفيذي بخصوص نمو الإيرادات مقارنة بالمنافسين. ولكن لا يأخذ الرئيس التنفيذي وفريقه من التنفيذيين تراجع هوامش الربحية وارتفاع معدل تسرب العملاء في الحسبان رغم نمو الإيرادات، فإن الربحية واستبقاء العملاء في الشركة أقل بكثير من منافسيه. قريبا قد لا تصبح شركة كبرى كما اعتادت أن تكون.
فريق تنفيذي آخر دائما يتحدث عن الفريق التنفيذي في الشركة المنافسة، يقولون: "خبراتهم أقل، أصغر سنا، فهمهم للسوق مضطرب، جرأتهم على المشاريع الكبيرة محدودة". يستحضر هذا الفريق التنفيذي الأمثلة والقصص والشواهد في اجتماعاتهم الخاصة والجلسات غير الرسمية خارج العمل وأحيانا بطرق مؤدبة أثناء عروض الأداء ودراسات المقارنة مع المنافسين. بعد 3 سنوات، شعروا بالمقلب الذي صنعوه بأنفسهم. منافسهم أصبح المتسيد على القطاع، وهم في نقاش عويص ودائم مع مجلس الإدارة، بخصوص بندين: تغيير مسار الاستراتيجية والحصول على تمويل.
تعد المقارنات المرجعية "Benchmarking" ممارسة شائعة تلجأ إليها الشركات لتقييم أدائها ومقارنتها بمعايير الصناعة التي تعمل بها. إنها تتيح للمنظمات تحديد المجالات التي يمكن تحسينها ووضع أهداف واقعية مرتبطة بمعدل الأداء في السوق. ومع ذلك، قد تؤدي عملية المقارنة في بعض الأحيان إلى ظاهرة تعرف بـ "وهم المقايسة أو وهم المقارنة" وهناك من يسميها "تحيز المقارنة المعيارية".
يحدث وهم المقارنة عندما يفسر أو يفهم قادة الشركة البيانات المتعلقة بالأداء بطريقة خاطئة، ما يؤدي إلى تشويه الإدراك، والشعور بالتفوق الذاتي المخادع. يمكن أن يحدث ذلك بسبب عدة عوامل، من ذلك اختيار المعايير الخاطئة، أو تحليل البيانات السطحي وغير الكافي، أو الاعتماد المفرط على مقياس واحد دون أخذ السياق العام في الحسبان.
اختيار المعايير الخاطئة يعني التركيز على معايير لا توضح بدقة أولويات القطاع ولا تتفق مع استراتيجية الشركة، على سبيل المثال، مقارنة نمو مبيعات علامة تجارية فاخرة عالية المستوى بمتجر تخفيضات. قد ينشأ هذا الوهم بسبب تفسير البيانات بشكل خاطئ، وفي كثير من الأحيان لا تصل إدارة الشركة إلى العمق المطلوب في فهم الواقع، فأبحاثهم سطحية، أو عميقة ولكن لا يقرأها أحد، هناك من "يكذب الكذبة ويصدقها" فتجده يبالغ في وصف الأداء داخليا، حتى ينسى واقعه ويصدق بأنه فعلا متفوق على غيره. بعض الشركات تتحدث عن ضعف المنافسين دون أبحاث دقيقه فتملأ معتقداتها بالوهم والتدليس: "نظام منافسهم ضعيف، ومنافسهم يعاني مع عملائه، فوضوي، ونحن رائعون" ويستزيد الفرق وقادته من هذه النغمة الجماعية التي تصبح فقاعة وهم كبيرة، تغطيهم ولا يشعر بوجودها أحد.
وماذا يحصل مع هذا الوهم؟ تبدأ التداعيات على أداء الشركة بالظهور وأولها التراخي والركود. إذ يؤدي الوقوع في وهم المقارنة إلى التراخي بناء على الاعتقاد بأن الأداء "ممتاز" وينتج عن ذلك فقد الدافع للتحسين والتطوير والابتكار والتجديد. وبعد ذلك تبدأ الفرص في الضياع، إذ تتجاهل الشركات التي تقدر أداءها بشكل مبالغ فيه المجالات التي يمكنها من خلالها قيمة حقيقية إضافية. وفي نهاية الأمر، تفقد الشركة موقعها في السوق. من يعتقد أنه متفوق، سيتجاهل التعديلات الاستراتيجية الضرورية والسريعة، ما يتيح للمنافسين الحصول على ميزة التقدم وتجاوزه.
لتجنب وهم المقارنات القاتل يجب أن تنظر الشركة بموضوعية نحو السوق والمنافسين، وتتجنب الأحكام التي لا تبنى على المعايير التي يتم اختيارها. وغني عن القول إن اختيار هذه المعايير يجب أن يأخذ في الحسبان استراتيجيتها وطبيعة القطاع وأهدافها على المدى الطويل. لا بد أن يتم تجنب الاعتماد على مقياس واحد للمقارنة، ويكون النهج قائما على الشمولية في تقييم الأداء. تحليل المؤشرات المتعددة، مثل حصة السوق ورضا العملاء والارتباط الوظيفي، يوفر تقييما أكثر دقة للأداء الشامل. والبحث عن الآراء الخارجية والمصادر المستقلة يعد مدخلا جيدا لتجنب التحيز، يمكن أن تساعد هذه النظرات على تحديد النقاط العمياء وتحدي الافتراضات والأوهام الداخلية.