مرة أخرى .. وكالات التصنيف الائتماني

مرة أخرى تخرج علينا وكالات التصنيف الائتماني العالمي (موديز، فيتش، ستاندرد آند بورز) تحديدا، بمتلازمة تخفيض التصنيف الائتماني، وهو ما يؤثر في الدول أكثر من تأثير الحروب، ولكن هذه المرة على الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الأم لأهم ثلاثة مؤشرات تصنيف ائتماني حول العالم، وعندما نقول الدولة الأم فلأن الحديث كان ولا يزال كبيرا عن دور تلك المؤسسات في رسم خريطة الاقتصاد العالمي ومساعدة المؤسسات الدولية ومن وراءها في تغيير مجريات الأحداث بأنماط غريبة ومختلفة.
وهذا الحديث ليس وليد اللحظة، بل هو حديث امتد منذ إنشاء الوكالة الأقدم فيتش في عام 1924، وتبعتها العديد من التصنيفات الائتمانية حول العالم ويوجد العشرات من وكالات أو مؤسسات التنصيف في العالم سواء على تصنيفات الشركات أو على مستوى تصنيف الدول ائتمانياً، لكن بقيت الوكالات الأمريكية الثلاث تحظى بالنصيب الأوفر من ''المصداقية'' خلال العقود الماضية على المستوى العالمي تبعاً على ما أعتقد لتأثير الاقتصاد الأمريكي على مستوى الاقتصاد العالمي، حتى وإن كان هناك العديد من الأسئلة حول مصداقيتها في الأزمات العالمية وخصوصا في آسيا في نهاية التسعينيات الميلادية، ولكن الأسئلة الأكبر على مصداقية تلك الوكالات كانت في أزمة 2008، حيث انكشف الكثير من الأسرار حول دور تلك المؤسسات في أزمة الائتمان التي أسقطت الأقنعة، ويبدو أن العمل الوثائقي Inside Job الحائز على الأوسكار عام 2010 قد أعطى بعض الضوء على ما حدث خلال تلك الأزمة وعن دور مؤسسات التصنيف الائتماني فيها، وفيها اتضحت أعمال أخرى لوكالات التصنيف الائتماني غير التصنيف الائتماني!!
ولعل ما لفت انتباهي أخيراً، هو تراجع موديز تحديدا عن التهديدات بخفض تصنيف الولايات المتحدة الائتماني في حالة عدم توصل المشرع الأمريكي إلى اتفاق بشأن رفع سقف الدين الأمريكي، وقبل التوصل إلى اتفاق قامت موديز باستباق إعلان الاتفاق بأخبار عن تراجعها المبهم عن خفض التصنيف حتى في حالة فشل رفع سقف الدين، وأنها تثق بأن الولايات المتحدة ستكون قادرة على وضع خطوات صحيحة للخروج من أزمة الدين، ومن وجهة نظري أن هذا الحدث يأتي امتدادا لما تواجهه وكالات التصنيف من أسئلة كثيرة حول مصداقيتها في التصنيفات وتوقيت إعلان تلك التصنيفات خصوصا في جانب الديون السيادية للدول الأوروبية والتي ضاق الأوروبيون بها ذرعاً، وأعلنوا الحرب صراحة على وكالات التصنيف الأمريكية الثلاث بدعوى أنها تفتقد المصداقية في تصنيف الدول الأوروبية وخصوصا عندما تحول تصنيف البرتغال بشكل غريب ومفاجئ بمقدار أربع درجات سلباً، وهو ما دعا وزير المالية الألماني إلى الإعلان صراحة وعلى الملا أن الوقت قد حان لكسر احتكار القلة لوكالات التصنيف الأمريكية، ويجب على أوروبا أن تعمل على وجود وكالات تصنيف جديدة تقابل التقلبات الكثرة والمثيرة للريبة حول أداء المؤسسات الثلاث، وتابع ذلك رئيس الاتحاد الأوروبي بصراحة عن عدم وجود وكالات تصنيف أوروبية وعن دور وكالات التصنيف في جر الأوضاع الاقتصادية الأوروبية إلى الأسوأ.
وإن كنت أرى أن التاريخ يعيد نفسه بالنظر إلى الأدوار المشبوهة (سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة) لوكالات التصنيف الائتماني في أزمات مالية عالمية مشابهة خصوصا في أزمة النمور الآسيوية عام 1997 عندما تغيرت تصنيفات أغلب الدول الآسيوية من موجبة إلى سالبة خلال أشهر قليلة، وتحويل الدول من استثمارية إلى خطرة استثماريا، وكذلك فشل مؤسسات التصنيف الائتماني من التوقع المستقبلي ولو بشكل بسيط لما يمكن أن يحدث.
يبدو أن أفق الاقتصاد العالمي يحمل الكثير من التغيير في مراكز اللاعبين أو في أدوارهم، وقد يكون الوقت قد حان لإحلال لاعبين جدد محل وكالات التتصنيف الائتماني يواكبون الصورة الاقتصادية للعالم، سواء كانت تلك الصورة نتيجة طبيعية لطغيان الرأسمالية البشعة وإثباتا لفشلها، أو أن تكون وفقا لمسوقي نظرية المؤامرة أن هناك من يحرك لعبة الشطرنج العالمية وفقا لخطط مرسومة سلفاً، ولنا في هذا بحث آخر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي