اليونان خارج الوحدة

أغلب المحللين يرون أن خروج اليونان من الاتحاد الأوروبي هو مسألة وقت. وتسبب تعثر السداد على السندات الحكومية في مخاطر منتظمة systemic "تعرف بأنها المخاطر الاستثمارية الشاملة ولا يمكن تفاديها بتنويع الأصول"، وأن هذه الصورة تعكس سلبيات مستقبلية لأهل اليونان، وتشير بعض التوقعات إلى أن السيناريو نفسه قد يتكرر في إسبانيا والبرتغال.
وأود أن أعطي بعض التفاصيل عن ماهية التقشف وما انعكاساته على سكان البلاد، وذلك لأن عناوين الأخبار قد تضخم الأحداث بافتعال لزيادة مبيعات الصحف أو للتأثير في توجه الأسواق.
كان من المتوقع قبل تدهور الوضع أخيرا في اليونان أن تقوم الدولة بإعلان برامج إصلاح اقتصادية وسياسة تقشف Austerity صارمة لتسريع التحسن الاقتصادي، فماذا يعني التقشف وما أثره في الحياة العامة؟
يشتمل برنامج التقشف الاقتصادي على عدة إجراءات تقوم الدولة بتنفيذ واحد (أو أكثر) منها:
- إيقاف أي زيادة أجور أو علاوات موظفي الدولة.
- تجميد التوظيف الحكومي وزيادة تسريح الموظفين الحاليين.
- إنهاء بعض الخدمات الحكومية مؤقتا أو نهائيا.
- إصلاحات في نظام التقاعد والمعاشات.
- خفض العائد على السندات الحكومية "مما يخفف أعباء الدين العام".
- تعطيل "بعض أو جميع" برامج الإنفاق الحكومي مثل مشاريع البنى التحتية أو القطاع الصحي.
- رفع معدل الضرائب "على الدخل والمؤسسات، العقار والأرباح الرأسمالية".
ما زاد الوضع سوءا بالنسبة لليونان هو أمران: أولهما الفساد الإداري السائد في مؤسساتها العامة ويعود تاريخه إلى فترة حكومة "جورج باباندريو"، حيث الاختلاسات المالية وعدم إتمام المشاريع المرخصة ومن الواضح أن الفساد الإداري تعاقبت رؤوسه لليوم. وما زال الساسة يغضون الطرف عن التقشف والإصلاحات المطلوبة لإرضاء دافعي الضرائب وكسب أصوات الناخبين.
الأمر الثاني هو قرب انتهاء الفترة المحددة للاتفاق مع دائني الحكومة وتحديدا صندوق النقد الدولي IMF، حيث يتوجب تسديد مبلغ 3.5 مليار يورو بحلول تموز (يوليو) المقبل. وتعتمد المصارف اليونانية حاليا على السيولة القادمة من المركزي الأوروبي ECB للحفاظ على مؤسساتها المالية من الانهيار. ووفقا لمجلة الإكونومست Economist فإن تعثر الحكومة عن السداد يعني اعتبار المؤسسات المالية والمصارف "معسرة" Insolvent مما يضطره لقطع إمدادات السيولة عنها.
نأتي للجزء الثاني عن تبعات التقشف الحكومي على حياة المواطنين. من جملة الإجراءات التي تم اتخاذها هي استقطاعات موسمية من رواتب موظفي الدولة "فئة ثلاثة آلاف يورو شهريا فأكثر" وخفض زيادات الرواتب بنسبة 8 إلى 20 في المائة لموظفي القطاع العام. بالنسبة للقطاع الخاص تم فرض ضريبة لمرة واحدة على الشركات التي يزيد دخلها على 100 ألف يورو، وتيسير إمكانية تسريح موظفي القطاع الخاص بنسب معينة "دون أي عقوبات على الشركة"، إضافة إلى مجموعة من الإجراءات التي ترفع من الدخل الصادر للدولة بشكل أو بآخر.
بشكل عام الصورة قاتمة في اليونان ويعود السبب الرئيس برأيي إلى عدم شفافية الحكومة فيما يتعلق بإدارتها لموارد الدولة وعدم مصداقية السياسيين في تنفيذ برامجهم طمعا في المنصب وقبل كل ذلك تراكمات عهد كامل من الفساد الإداري. ولا أعتقد أن سيناريو اليونان فريد بالمرة لكنه جلي لصغر الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بدولة أوروبية أخرى تتصف بالفساد الإداري مثل إيطاليا لكنها تتمتع باقتصاد ضخم.
وقد يكون لنا عودة حول الموضوع بنهاية تموز (يوليو).

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي